لم تقتصر حوارات النبي - صلى الله عليه وسلم - على الكبار فقط؛ بل حاور النبي الكريم الصغارَ أيضًا، واستمع إليهم، ولاطفهم وداعبهم، ولم يستصغر عقولَهم، ولم يهمل مشاعرهم أبدًا.

تأمَّلوا معي هذا الحوار الذي دار بينه وبين غلام صغير، جاء الدور عليه في شرب الماء، ولم يشأ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكسر قلبَه الغض، ومشاعرَه المرهفة، فاستأذنه أن يبدأ بالكبار:
عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: "أُتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بقدح فشَرِب منه، وعن يمينه غلام أصغر القوم، والأشياخ عن يساره، فقال: ((يا غلام، أتأذن لي أن أعطيه الأشياخ؟))، قال: ما كنتُ لأوثر بفضلي منك أحدًا يا رسول الله، فأعطاه إياه"؛ (البخاري في كتاب الشرب).

فالغلام جالس عن يمين النبي، والشيوخ عن يساره، ومن السُّنة البدء باليمين، وأيضًا من المتعارف عليه احترام الكبار، وتقديمهم في كل شيء، فاستأذن النبيُّ الغلامَ أن يبدأ بتقديم الماء للكبار؛ ولكن الغلام رفض أن يتنازل عن حقه، يريد أن يفوز بشرف الشرب من يد الرسول، فأعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - الماء بادئًا به.

أيُّ احترام لمشاعر الإنسان يطل من هذا الحوار؟! وأي رحمة تفوح من خلاله؟! لن ينسى الغلام هذا الموقفَ أبدًا، وسيظل يذكر بالتأكيد إكبار النبي له، واحترام رأيه وحقه.

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة